الرئيسية / العدد الأول

العدد الأول

 

عندما بدأت الحنونة قبل أكثر من ربع قرن، كان حلم المرحوم سعادة صالح وحلمنا أن تكون مؤسسة ثقافية وطنية

تمارس دورها الريادي في جمع وتوثيق وتصنيف موروثنا الشعبي وحراسته من خال عدة أدوات تنفيذية.

وكان أول هذه الأذرع ) الحنونة للفنون الشعبية( والتي بدأت منذ اليوم الأول في صيف ١٩٩ ٠ .

وقد كان جليا أن تجربة الحنونة مختلفة عن تجارب أخرى في الأردن فقد اعتمدنا وبشكل مكثف على جمع مفردات

الثقافة الشعبية من مصدرها الطبيعي، وهم كبار السن الذين عرفوها وعاشوها ومارسوها، وفي الوقت نفسه كان هناك

بحث نشط في كل ما كتب عن الراث من كتب وموسوعات ودوريات. وكان اختيار نغمة أو رقصة لتقديمها يخضع

للتمحيص عن مدى أصالة هذه المفردة.

وقد بدا واضحا أن الثقافة الشعبية هي الحاضن الأهم لتفاصيل الهوية الوطنية كما كان يقول الراحل سعادة. وهي ما

يجمعك بأخيك ويميزك عن الآخر. ومن هنا، اكتسب البحث بعداً وطنياً إضافة إلى قيمته الثقافية.

وقد أظهرت البحوث التي أُجريت، مجموعةً من الحقائق التي أصبحت تشكل الأساس الأيديولوجي لتجربة الحنونة.

١- إن تراث سوريا الطبيعية وأجزاء من غرب العراق هو تراث واحد يراوح بن تراث بدوي، ريفي أو مدني. لكنه لا

يمكن أن يقسم على أساس الحدود السياسية. أي أن سايكس – بيكو الي قسمت المنطقة إلى دول لم تنجح في تقسيم

ثقافة الشعب الذي يعيش في هذه الدول. وظلت الثقافة الشعبية عنصرا موحدا يُضاف إلى اللغة والتاريخ والدين… الخ.

٢-إن تراث هذه المنطقة لم يسقط عليها من السماء ويسمي نفسه باسمها. بل كان نتاجاً طبيعيا لحياة الناس على

هذه الأرض لآلاف السنين، وتفاعلهم مع بعضهم بعضاً، ومع عناصر الطبيعة المختلفة ومع الآخرين. وقد صاغوا نتاج

وعيهم بهذه التجارب وخبرتهم الإنسانية في مفردات تراثية )أغانٍ شعبية ورقصات وحكم وأمثال وحكايات وصناعات

شعبية وعادات وتقاليد ومواسم زراعية وأزياء شعبية وطب شعبي وأساطير وملاحم… الخ( والي شكلت تراثاً غنياً عزّ

نظره، ويدل وببساطة على العمق التاريخي الكبر للناس وتنوع الخرات الي اكتسبوها رغم أن هذه المنطقة ربما كانت

من أكثر مناطق العالم تعرضا للغزو.

٣-إنه ورغم وحدة تراث المنطقة، اكتسبت الخصوصية الفلسطينية أهميةً خاصةً، وذلك نتاج طبيعي للغزو الصهيوني

لفلسطين.

فلم تكتف الحركة الصهيونية باحتال الأرض وتشريد الناس، بل أخذت وبشكل ممنهج محاولة العبث بالذاكرة الشعبية

الفلسطينية، إما بمحاولة إلغائها بتغير أسماء المدن والقرى والمواقع التاريخية، أو بانتحالها كالادعاء بأن الثوب المطرز هو

تراث إسرائيلي، ومثله رقصات الدبكة وزي الرجل الفلسطيني )القمباز والحطة والعقال( وصحن الحمص وحبة الفلافل.

انطلاقاً من هذه الأسس النظرية، انطلقت الحنونة للثقافة الشعبية تمارس دورها الريادي في توثيق وحراسة الذاكرة

الشعبية.

وإضافة إلى الفريق الفي، بدأت ومنذ سبع سنوات في إقامة مهرجان حراس الذاكرة، والذي يحتفي بالعاملن في الثقافة

الشعبية من فرق فنية أو شعراء شعبيين أو مسرحيين ومصورين في أسبوع ثقافي أصبح سمة بارزة للحنونة.

وقبل ثلاث سنوات بدأت الحنونة مشروع الثوب الشعبي )ثوب الحياة( والذي قامت فيه بتوثيق قرابة خمسن ثوباً شعبيا

لا يقل عمر أي منها عن خمسة وسبعين عاما، وقامت بإعادة إنتاجها في جهد مميز للوقوف في وجه العبث التجاري

الذي كاد يضيع الأصل الجميل للزي الأجمل في العالم.

ولا ننسى مدرسة الحنونة لتعليم الدبكة والي تستمر طوال العام، ومشروعها لإنشاء فريق للفنون الشعبية في مخيم

الطالبية.

وأخرا ترون بن يديكم حلمنا في إصدار دورية تراثية يرى النور، وقد يكون تأخر، ولكن أن تصل متأخراً خر من

ألا تصل، وستعمل الحنونة على أن تكون مجلتها على شاكلة المؤسسة الأم. غنية جادة تحرم عقل القارئ وتقدم له الرأي

والرأي الاخر. وتستمر في منهج البحوث الميدانية الي سارت عليها الحنونة الأم. وأن تستكتب المتميزين في حقل الثقافة

الشعبية وأن تجعل الوقت الذي تقضونه معها ممتعاً ومفيداً.__