الرئيسية / ذاكرة مكان / الخليل / البلدة القديمة

البلدة القديمة

ذاكرة مكان: الخليل تراثٌ وحضارة، واقعٌ وتحديات

البلدة القديمة

د.غسان دويك*

*دكتوراة هندسة معمارية، أستاذ في جامعة البوليتيكنك. الخليل، فلسطين.

م. سماح الجعبري*

*ماجستير هندسة مياه وبيئة، مدرسة في جامعة البوليتيكنك. الخليل، فلسطين.

 

   تعتبر البلدة القديمة (المركز التاريخي) في أي مدينة من مدن العالم معلما بارزا من ناحية تاريخية، أثرية، ثقافية ودينية. كما تعتبر منارة تحاكي عراقة وحكمة الأجداد. وحيث أن مدننا الفلسطينية تمتاز بوجود مراكز تاريخية بها فإنه جدير بنا القيام بتقييم وضعها البيئي لما في التقييم البيئي من استجابة وتماشي مع التنمية المستدامة ولما يقدمه لنا من صورة واضحة وتحليل منطقي لأعمدة التنمية المستدامة البيئية والاجتماعية والاقتصادية.

 

إننا نرى كباحثين ضرورة أن يتوفر هذا النوع من الدراسة والتحليل لكل البلدات القديمة الفلسطينية ليتسنى لنا السير والمضي قدما نحو تنمية وطنية مستدامة، يتم فيها تصميم وتنفيذ جميع المشاريع في إطار تنموي سليم.

تأتي أهمية البلدات القديمة لما تلقاه من اهتمام وطني ودولي ولما تعكسه هذه البلدات من ثقافة وتاريخ، ولقدرتها على إعادة الثقة في تاريخنا وحضارتنا، وبالتالي المحافظة على هويتنا وموجوداتنا التراثية التي خلفها لنا الآباء والأجداد. وعليه، فإنه من الضروري رفع الوعي البيئي في تلك البلدات وذلك للمحافظة على هذا الموروث النفيس والرقي به وإبرازه والسعي لجعله معلما يفتخر به.

إن أهم مبررات هذه الدراسة هي:

  1. الحالة السيئة التي آلت إليها البلدة القديمة في الخليل نتيجة هجرة معظم سكانها الأصليين جرَّاء الوضع السياسي الحالي.
  2. انعدام الحياة البشرية والتواجد السكاني إلى حد كبير.
  3. سوء وضع البنية التحتية.
  4. استخدام المباني القديمة الخالية كبُؤر للفساد الاجتماعي والأخلاقي.

 

ان القيام بهذه الدراسة يتطلب منا بدايةً المحافظة على ما هو موجود في البلدات القديمة، ثم الانتقال إلى تقييم وإعادة تأهيل البنية التحتية من خدماتٍ مدنية، صحية، اجتماعية، ثقافية، وما يلزم ذلك من سياسات واستراتيجيات تتماشى والأهداف الوطنية السامية. إن رفع الوعي البيئي هدف تسعى له جميع الشعوب المتحضرة للوصول إلى تنمية مستدامة ولا يتحقق ذلك إلا بتعاون دؤوب وجهد متواصل من جميع أفراد المجتمع.

في هذه الورقة سيتم بحث ودراسة تقييميه للوضع البيئي في البلدة القديمة لمدينة الخليل كحالة تنطبق عليها معظم البلدات القديمة في باقي المدن الفلسطينية. سيكون ذلك مدعما بصور وحقائق وبتحاليل وأساليب منطقية، كما سيتم الإشارة وبتركيز على ضرورة رفع وتطوير الوعي البيئي في مجتمع البلدة القديمة وما سيعود به ذلك على البلدة من فائدة وتنمية ورقي.

 

خلفية عامة

الخليل مدينه لها تاريخ عريق ومكانه فريدة حددتها أصالة هذه المدينة وقدسيتها، فهي من أقدس مدن العالم ومن أقدمها، حيث تعني أسماءها التي أطلقت عليها عبر تاريخها العريق القوة والوحدة والصداقة والديانة، ويأخذ موقعها في قلوب المؤمنين موقعا مقدسا للجميع، وهي مدينة مرتفعه على جبال عدة، فمنذ خمسة آلاف عام تشكلت نواه هذه المدينة الكنعانية، حيث اختار الكنعانيون موقع الخليل ودعوها أربع &quot، وخضعت عبر الأزمان لعدد كبير من الأمم والدول، الذين ما زال على كل شبر من أرضها وعلى كل حجر من مبانيها شاهد على حضارتهم. بالرغم مما جرى لها في الفترة الأخيرة من احتلال اسرائيلي محاولا تغيير واقعها وطمس معالمها وآثارها وتراثها وعمارتها وحضارتها. وإن من يهتم بالخليل وبتاريخها والأمم والحضارات التي درجت على ثراها من أقدم العصور، لابد له من التعرف على كنوز هذه المدينة وما تحتويه من شواهد ومعالم يستدل بها الإنسان على حضارة هذه المدينة، فإذا تم لنا التعرف على هذا الواقع فقد فهمنا الماضي وأشرفنا على المستقبل، حيث أن أهم هدف هو إبقاء مدينة الخليل القديمة في الذاكرة، وإن الحفاظ على ما فيها ومن فيها من أولويات الأبحاث، ولتحقيق ذلك جاءت هذه الدراسة الميدانية في أغلب فصولها تجمع بين الجوانب البيئية المختلفة ومحاولة إيجاد الحلول والإجراءات العملية من أجل النهوض بهذه المدينة من الناحية البيئية والاجتماعية والاقتصادية من جديد.

 

الموقع والتسمية

تقع البلدة القديمة بمحاذاة المسجد الإبراهيمي الشريف مرقد سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام، وقد اكتسبت المدينة اسمها من استقرار أبو الانبياء وذريته فيها، حيث يضم المسجد الإبراهيمي مقامات وأضرحة لأبي الأنبياء وزوجاته وأبنائه، وهذا ما أكسب المنطقة طابعا دينيا وتاريخيا ذا قيمة عالية.

                  الحرم الإبراهيمي الشريف للبلدة القديمة في مدينة الخليل.  

لقد اكتسبت البلدة القديمة أهمية كبيرة بالاعتماد على عوامل ثلاثة هي، أولا: قربها والتصاقها بالحرم الإبراهيمي الشريف. ثانيا: وقوعها في جبل الخليل الذي يعتبر مقر خيرات، حيث أن المدينة تتمتع بوجود عيون وينابيع عذبة جعلتها غنية بأشجار الزيتون وكروم العنب والفاكهة. ثالثا: إشراف تل الرميدة على البلدة القديمة حيث يعتبر تل الرميدة الموقع الكنعاني الأول للمدينة.

تتكون البلدة القديمة في أي مدينة من نسيج من الأزقة والحارات والأسواق المتواضعة والتلقائية في بعض الأحيان، ولا يختلف الوضع في البلدة القديمة لمدينة الخليل التي تتكون من مجموعة من الحارات، حيث تعتبر هذه الحارات نواة العائلات التي يتكون منها مجتمع الخليل، وهي: حارة القزازين، السواكنة، بني دار، العقابة، القلعة، الحوشية، المحتسبية، الأكراد، النصارى، والمشارقة. وجميعها حارات ضمت سكان البلدة الذين تنوعت أصولهم من أصول عربية، كردية، مغربية وتركية.

 

الوضع الحالي للبلدة القديمة

لقد كانت البلدة القديمة في مدينة الخليل حتى بداية هذا القرن محافظة على قيمها المعمارية والعمرانية في تحقيق الانسجام بين مكوناتها حسب متطلبات البيئة، التراث والمناخ، مما ترك أثرا مميزا على النسيج العمراني وعلى العمارة الفلسطينية العربية الإسلامية، مما يترجم العلاقة التبادلية بين الإنسان وبيئته، ويبين مدى الارتباط بين الإنسان الفلسطيني وتراثه وتقاليدة وثقافته. وقد كان الوضع العام والنظام الاقتصادي والاجتماعي وكذلك السكن في ذلك الوقت لا يزالان صالحين في الإجابة على متطلبات السكان والاحتياجات الحياتية المختلفة بشكل حافظ على التوازن بين الشكل والمحتوى. إلا أن البلدة القديمة وجدت نفسها وبشكل مفاجئ، أمام مشاكل من نوع جديد طرحتها ضرورات العصر الحديث لم تكن تهيأت لها من قبل، ولم تكن بنيتها التحتية ولا تكوينها العمراني على استعداد للتأقلم مع تلك المعطيات الجديدة. هذا إضافة إلى العديد من المشاكل البيئية، الاجتماعية والاقتصادية، التي أثرت بشكل مباشر على معظم مباني هذه المدينة، وكانت النتيجة تشويه ملامح البلدة القديمة من جميع النواحي. وفيما يلي تحليل للوضع البيئي، الاجتماعي والاقتصادي للبلدة القديمة.

 

أولا: تحليل الوضع البيئي

يعتبر تحليل الوضع البيئي عملية منظمة لكشف الآثار البيئية الإيجابية والسلبية، المباشرة وغير المباشرة، الآنية والمستقبلية من أجل تفادي الآثار الضارة وتعزيز الآثار الإيجابية، إضافة إلى السعي قدما نحو تحقيق تنمية مستدامة بما يتوافق مع المقاييس البيئية الفلسطينية.

يمكن تحليل وفهم الوضع البيئي للبلدة القديمة من خلال دراسة الجوانب التالية:

 

  • النفايات الصلبة

تشمل النفايات الصلبة نفايات المنازل، المحال التجارية، النفايات العشوائية التي يلقيها المارة في الأسواق والأزقة والشوارع . يقوم أهالي البلدة القديمة بوضع النفايات في أكياس بلاستيكية أو في أوعية منزلية تم الاستغناء عنها مثل أوعية دهانات فارغة أو في حاويات خاصة موزعة بالشوارع قامت بتوزيعها عليهم لجنة إعمار الخليل.  ويقوم عمال النظافة بتجميعها في عربات خاصة، ومن ثم إيصالها إلى حاويات كبيرة موزعة في مناطق مركزية، مثل: منطقة لجنة الإعمار أو منطقة الأكاديمية الإسبانية، أو أي منطقة مركزية تستطيع أن تصلها سيارات بلدية الخليل.

وبعد القيام بعدة جولات ميدانية في البلدة القديمة، تبين لنا أن عددا كبيرا من سكان البلدة يقومون بإلقاء النفايات بشكل عشوائي في الممرات والشوارع والأزقة وفي البيوت المهجورة، وأحيانا في الطابق السفلي للبيت الذي يقطنونه، (أو ما يسمى بالياخور)

إن هذه السلوكيات الخالية تماما من الوعي والثقافة، تجعل بيئة البلدة القديمة في تدهور واضمحلال، حيث تتكاثر الحشرات والقوارض والقطط والحيوانات الضالة،  كما تتكاثف الروائح الكريهة وتتشوه المناظر الجمالية للبلدة القديمة. كما تم ملاحظة ضعف اهتمام عمال النظافة في المنطقة التي تقع بعد الحرم الإبراهيمي بحجة تواجد جنود الاحتلال، حيث أن الحاويات في تلك المنطقة تحتاج في تفريغها من أسابيع إلى أشهر.

لقد قامت لجنة الإعمار بتوزيع براميل نفايات على شوارع الحارات، ولكن لوحظ بعد فترة اختفائها فقد تم أخذها من قبل ساكني البلدة، ثم تم وضع بعض الحاويات الحجرية ذات المظهر التراثي بشكل منظم على الشوارع، لتعزيز المنظر التراثي للبلدة .

  • النفايات السائلة

تشمل النفايات السائلة المياه العادمة (مياه الحمامات والمغاسل) إضافة إلى مياه الأمطار المتجمعة في الشوارع ومن فوق أسطح المنازل. يوجد في البلدة القديمة قنوات رومانية تشكل شبكة صرف صحي وشبكة تصريف مياه الأمطار تحت الأرض منذ القدم. قامت لجنة إعمار الخليل بصيانتها وترميمها وإضافة أجزاء حديثة على نمطها، مع مراعاه الحفاظ على الطابع الأثري والتراثي لها. حيث تعبُر المياه في قنوات داخلية تحت الأرض وتتجمع في مناهل تلتقي فيها كل النفايات السائلة ثم تمتد عبر الشوارع. وبعد التجول في البلدة القديمة وجدنا أن ساكني البلدة قد قاموا بتدمير هذه الشبكات والعبث في المناهل والقنوات.

ج- الهواء

إن عدم وجود سيارات أو أي نوع من وسائل المواصلات، وعدم وجود صناعات كبيرة في البلدة القديمة، يجعل الباحث في هذا المجال يتصور أن البلدة القديمة تخلو من تلوث الهواء، إلا أنه وبعد البحث في هذا المجال، تبين أن البلدة القديمة تتزايد بها أسباب تلوث الهواء للتراكم، وتسبب مشاكل بيئية وصحية لسكان البلدة، وتوضح البنود التالية أهم أسباب تلوث الهواء:

1- طبيعة المبنى وتصميمه: تتميز بيوت البلدة القديمة بقلة عدد النوافذ وصغر مساحتها وعدم ارتفاع المباني، حيث لا تدخل الشمس إلى البيوت عبر النوافذ بسبب انخفاضها وصغر مساحتها، كما تتواجد في البيوت القديمة نوافذ صغيرة على ارتفاعات كبيرة تسمح بخروج الهواء الفاسد من المبنى، إلا أن ساكني هذه البيوت قاموا بإغلاقها بقطع من القماش جهلا منهم بوظيفتها وأهمية عملها. وهذه العوامل مجتمعة تسبب الرطوبة التي تؤدي إلى الإصابة بالأمراض الصدرية التي يعاني منها أغلب سكان البلدة القديمة.

2- حرق النفايات: يقوم سكان البلدة القديمة بحرق النفايات بشكل مباشر في أزقة الشوارع والممرات وفي كثير من البيوت المهجورة، مما يؤدي إلى تصاعد الدخان والغازات الضارة التي تؤدي إلى مشاكل صحية كثيرة. 

3- تربية الحيوانات: يقوم سكان البلدة القديمة بتربية الحيوانات في الطوابق السفلية من بيوتهم (أو ما يعرف باليواخير) أو في بيوت غير مسكونة مجاورة لبيوتهم، مسببين بذلك تلوث الهواء بسبب الروائح الكريهة والبواعث الخارجة من الحيوانات. وتعتبر هذه القضية مشكلة بيئية واجتماعية، حيث نشأت الكثير من الخلافات بين سكان البلدة فيما بينهم بسبب تربية الحيوانات.

4- الغطاء النباتي: إن المتجول في البلدة القديمة يلاحظ خلوها تقريبا من المساحات الخضراء عدا نسبة قليلة من الأراضي التي تظهر بها بعض الأشجار المعمرة أو أشجار الزينة ولكن بنسب ضئيلة، حيث تتواجد الأراضي جرداء إلا من بعض الأعشاب والنباتات التي قد تنمو بشكل بري وهذا ما يزيد الوضع البيئي سوءا.

 

ثانيا: تحليل الوضع الاجتماعي

إن البلدة القديمة في وضعها الحالي تحتضن ما يزيد عن 930 أسرة جديدة دخيلة على البلدة، ومعظمهم من الطبقة الفقيرة، وفي كثير من الحالات من الطبقة المعدمة اقتصاديا، والسبب وراء نزوحهم للبلدة القديمة يكمن في السكن المجاني والخدمات المجانية والشبه مجانية التي تقدم إليهم من ماء وكهرباء وعلاج ودعم غذائي مستمر.

 

  • التعليم

مستوى التعليم في البلدة القديمة متدنٍ جدا، ومعظم الطلاب يتركون الدراسة في وقت مبكر بحثا عن العمل، لأن وضع ذويهم المادي لا يسمح لهم بالاستمرار في الدراسة. أما الفتيات فيتزوجن في وقت مبكر بدءا من سن الخامسة عشر. كما تبرز في البلدة القديمة مشكلة التسرب من المدارس، وهي ظاهرة شائعة تُشاهَد بوضوح في البلدة، حيث يلاحظ الباحث هذه الظاهرة من خلال متابعته لأـسوار المدارس، والحديث مع بعض المتسربين في الشوارع، كما أن قانون التعليم الإسلامي غير مطبق بحيث يجبر الطالب على الحضور إلى مدرسته في حال تكرار تغيبه.

 

أضافة إلى ما سبق، فإن زواج الفتيات في وقت مبكر يؤثر وبشكل مباشر على الوضع التعليمي في البلدة القديمة، فالأم غير المتعلمة والفاقدة لأي نوع من الثقافة لا تستطيع إعطاء أولادها في المستقبل أي شئ (لأن فاقد الشئ لا يعطيه).

 

ب- تفشي الأمراض الاجتماعية بين الشباب

بسبب تسرب المراهقين من المدارس، وعدم وجود فرص عمل للشباب، إضافة إلى الجهل وقلة الوعي لدى هذه الفئات العمرية، ولسوء معاملة الأهل لأبنائهم بسبب الأوضاع المادية الصعبة، فضلا عن طبيعة بناء البلدة القديمة حيث الأزقة والبيوت المهجورة، وعدم تواجد قوات الأمن في البلدة، جميع هذه الأسباب جعلت من البلدة القديمة بيئة خصبة تتفشى فيها المخدرات.

 

ج- التفكك الأسري، عمالة الأطفال

إن عدم توفر فرص عمل لرب الأسرة وعجزه عن سد حاجات أسرته، يولد مشاكل وخلافات بين أفراد الأسرة تصل أحيانا إلى حالات العنف والضرب، التي ينجم عنها التفكك الأسري. وتتوالى المشاكل لتصل إلى الأبناء وتكون على شكل لجوء الأبناء المتسربين من المدارس إلى العمل في أعمال بسيطة، مثل: العتالة والعمل في مصانع كعمال بأجور زهيدة جدا، وتتفاقم المشكلة إلى حد الاستغلال الجنسي. لقد وقع في البلدة القديمة أكثر من حالة اغتصاب لفتيان وفتيات على حد سواء، ولا شك أن طبيعة البلدة القديمة، وما بها من أزقة وقناطر وبيوت مهجورة تساعد على ذلك.

جميع ما ذكر يجعل الوضع الاجتماعي في البلدة القديمة بالغ الخطورة وبحاجة لحلول سريعة وجذرية .

 

د- النظام المؤسساتي في البلدة القديمة

حتى وقت قريب، خلت البلدة القديمة من المؤسسات والمراكز والجمعيات التي من شأنها الرقي بالوضع الاجتماعي والنهوض به، إلا أنه مما لا شك فيه، أن وجود لجنة إعمار البلدة القديمة في وسط البلدة، قد أسهم  بشكل مُلاحظ في تطوير الوضع العام في البلدة القديمة. وقد كان للأكاديمية الإسبانية مساهمة فاعلة في النواحي الاجتماعية تحديدا، حيث تقدم الأكاديمية خدمات التدريب المهني، التعليم البسيط، رفع الوعي في شتى المجالات، المحاضرات الإرشادية وبعض النشاطات الترفيهية. وبإيعاز من السلطة الفلسطينية، تم فتح عدد من المكاتب الحكومية التابعة لعدد من الوزارات الهامة، مثل: مكتب وزارة الخارجية، مكتب وزارة الداخلية، مكتب وزارة الأوقاف ووزارات أخرى. وبالنسبة إلى الخدمات الصحية، فلا توجد عيادات طبية تخصصية أو مراكز طبية على درجة من التجهيزات والخدمات العالية.

 

ثالثا: تحليل الوضع الاقتصادي

إن النسبة الأكبر من أهالي البلدة القديمة من الطبقات ذات الوضع الاقتصادي السَّيء ومن ذوي الدخل المحدود والمحدود جدا، ويرجع ذلك إلى عدد من الأسباب تتباين من أسرة إلى أخرى، ولكنها لا تخرج عن الأمور التالية، مثل: تدني الوضع التعليمي، عدم تحديد النسل، وبالتالي زيادة عدد أفراد الأسرة، الجهل وقلة الوعي.

يمكن تحليل الوضع البيئي الاقتصادي بدراسة النواحي التالية:

 

  • المحال التجارية

معظم سكان البلدة القديمة إما أصحاب محال تجارية أو مستأجرون لها يعتاشون على ما تدره عليهم من دخل. ولكن، بسبب ظروف الاحتلال وإغلاق البلدة القديمة، أصبحت هذه المحال لا تعمل وتبقى مغلقة معظم أيام السنة.  علما بأن لجنة إعمار الخليل والعديد من المؤسسات المحلية حاولت جاهدة العمل على تشجيع التسوق في هذه المنطقة بالذات، إلا أن الخوف من المستوطنين وجيش الاحتلال حال دون ذلك.

 

إن إغلاق المحال التجارية أثَّر وبشكل سلبي على سكان البلدة، حيث أصبح أصحاب هذه المحال عاطلون عن العمل. أضف إلى ذلك أن عددا من أهل البلدة القديمة يعملون كعمالٍ في مصانع أو محاجر براتب يومي زهيد.

 

ب- السياحة

السياحة في البلدة القديمة ضعيفة وذلك بسبب الاحتلال، إلا أن هناك جهودًا جبارة تقوم بها لجنة الإعمار تحاول من خلالها المحافظ على الطابع التقليدي للبلدة وجذب السياح إليها

بعدة طرق، منها: فتح المحال التراثية، دعم البضاعة وتزويد المشترين-أحيانا- بالكوبونات المجانية، ترميم البلدة وإنشاء الحدائق. ولا شك بأن انتعاش السياحة يؤثر بشكل مباشر على الوضع الاقتصادي.

 

ج- مساهمة لجنة الإعمار في إنعاش الوضع الاقتصادي

تقوم لجنة الإعمار بدفع رسوم الكهرباء والماء عن أهالي البلدة القديمة، وتعفيهم من إيجار البيوت، وتزود الأهالي بصندوق شهري يحوي مواد تموينية من أرز، سكر، طحين، شاي، معلبات، بالإضافة إلى مواد أخرى.

 

النتائج و التوصيات

1- الوضع البيئي في البلدة القديمة سيء وبحاجة إلى مضاعفة الجهود الرسمية والمحلية لمعالجة الوضع القائم، إما بدعم لجنة الإعمار وهي الطريقة الأفضل، أو عن طريق مؤسسات أخرى تعنى بالمدينة القديمة وسكانها.

2- يوجد اهتمام كبير من مؤسسات محلية، مثل: لجنة إعمار الخليل في البلدة القديمة، وجهات دولية، مثل: الجهات المانحة، بالنواحي الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية في البلدة القديمة، وبالتالي يجب تسويق العشرات من المشاريع داخل هذه المنطقة لدعم أهلنا هناك.

3- التحدي الذي يواجه البلدة القديمة على مختلف الأصعدة البيئية والاجتماعية والاقتصادية، يتطلب العمل بشكل جاد ومنظم وفوري على رفع الوعي لدى سكان البلدة.

4- إنشاء مركز لتطوير الحس البيئي وتطوير بيئة البلدات القديمة في فلسطين من أجل تطوير فهم المجتمع المحلي لقيمة هذه المراكز التاريخية، أضف إلى ذلك تطوير برامج مكتوبة (مسموعة ومرئية) مدروسة بدقة لتصل إلى جميع أفراد المجتمع.

5- إنشاء صندوق لدعم تعليم أبناء البلدة القديمة.

6- تنظيم رحلات تعليمية تثقيفية لطلاب المدارس من مناطق خارج البلدة إلى البلدة القديمة، وكذلك تنظيم رحلات تعليمية تثقيفية لطلاب البلدة القديمة إلى الجامعات والمعاهد لتحفيزهم على التعليم.

7- تطوير المدخل التخطيطي للأحياء وتوظيف الشوارع والقناطر والبنى التحتية الأخرى للمدن القديمة.

عن adminh

شاهد أيضاً

التراث المعماري العُثماني في عكا

   يُعتبر التراث المعماري جزءًا مهمًّا من التراث الثقافي، ويلعب دورًا رئيسًا في الحفاظ على هوية الشعوب، وفي الشهادة على تاريخهم وحياتهم على الأرض. لذلك كان من الضروري الحفاظ على الموروث المعماري الفلسطيني وإبرازه خلال حقب التاريخ المتعاقبة ولاسيما الحقبة العثمانية كونها آخر حقبة إسلامية قبل تأسيس دولة الكيان الصهيوني، وتركت كثيرًا من المباني والمقدسات والمواقع الأثرية في فلسطين التي كانت جزءًا من الإمبراطورية العثمانية قرابة خمسة قرون.