الرئيسية / ذاكرة مكان / يافا / الأزياء الشعبية في قُرى يافا

الأزياء الشعبية في قُرى يافا

الأزياء الشعبية في قُرى يافا

نعمت صالح*

*أمين سر جمعية الحنونة للثقافة الشعبية

 

تمتاز الأزياء الشعبية للنساء في قرى فلسطين بشكل عام بالتطريز على الثوب في مواقع محددة بألوان وأشكال ووحدات زخرفية مختلفة ومتنوعة، يتم من خلالها تحديد مصدر الثوب، والقرية التي يمثلها، والوضع الاجتماعي للمرأة تحديداً كان فيما مضى أقرب ما يكون إلى الجزم. غير أن عوامل كثيرة: اجتماعية واقتصادية وسياسية، وما سببته النكبة من  تشتيت وتهجير، أدت إلى اختلاط الأمر، وأصبح التعرف على القرية من خلال أثواب نسائها في الوقت الحاضر أمراً صعباً.

اشتهرت النساء في قرى يافا بأثوابهن الشعبية المطرزة بوحدات زخرفية في غاية الجمال، وبألوان مميزة ومنتقاه بعناية وذوق.

قبل التعرف على الأثواب في قرى يافا، لا بد لنا من التعرف على بعض العناصر والمفاهيم  الأساسية في عالم التطريز والأزياء الشعبية، نُجملها في النقاط التالية:

  • كانت المرأة الفلسطينية تصنع ثوبها من خامات يتم غزلها في فلسطين، ومعظمها من الكتّان المنسوج يدويا، لأن تربيع نسجها واضح، وعدّ القطب سهل، ولذا تتساوى الوحدات الزخرفية وتستقيم وتتعامد بدقة، وفي أحيان أخرى كان يتم جلب القماش من مصر، وحلب وفي وقت لاحق من أوروبا.
  • فيما يتعلق بالأصباغ، فاللون الأرجواني معروف في بلاد الشام منذ عهد الحضارة الكنعانية، واستخدم بداية للزخرفة، ومن ثم في التطريز. وكذلك اللون النِّيلي والذي استخدم في صباغ الأقمشة.
  • تحمل الوحدات الزخرفية الفلسطينية رموزاً أسطورية، تاريخية، فلكية، جغرافية شعبية، ورموزا مرتبطة بالأرض والخضرة والطيور، واستمرت حتى الآن كدلالة على الهوية والوجود التاريخي.
  • للتطريز أماكن محددة على مساحة الثوب، فثمة تطريز ضمن مربع على الصدر يُسمّى القبة، وعلى الأكمام ويسمّى الزوائد، وعلى الجانبين ويسمّى البنايق. ويتم التطريز أيضاً أسفل الظهر في مساحات مختلفة. وقلّما يطرّزن الثوب من الأمام، إلا أثواب الزفاف، فيكثرن تطريزها أو يتم شق الثوب من أمام، وتسمى الجلاية، وتلبس العروس تحته شروالاً برتقالي اللون أو أخضر، وثمة قرى تقوم النساء فيها بخياطة قماشة من المخمل خلف القبة ( الردفة الخلفية العلوية) ويطرّزْنها.
  • كلما زاد سعر القماش الذي يُصنع منه الثوب، وازدادت سماكة الخيط ولمعانه، واتسعت المساحة التي تنتشر عليها رقعة التطريز، كلما زادت قيمته الجمالية والمادية. فالثوب وسيلة أساسية لتمييز الطبقة أو الفئة الاجتماعية التي تنتمي إليها من تلبس هذا الثوب.
  • أثواب السيدات كبيرات السن أقل زخرفة من أثواب الفتيات، كما يجب أن تكون من قماش ذي ألوان محايدة وربما قاتمة، كما إن ألوان الخيوط التي تستخدم في تشكيل وحداته الزخرفية هادئة وتخلو من الألوان الزاهية، وذلك حفاظا على الوقار.
  • ثياب العمل أقل زخرفة من ثياب المواسم والمناسبات.
  • الفتيات غير المتزوجات لا يستخدمن أدوات الزينة باستثناء الكحل. ولذلك، نجد أن أثوابهن مطرزة بألوان زاهية تعوض عن أدوات الزينة الممنوعة عليهن.
  • كانت العادة تقضي بأن تقوم الفتاة بتطريز ثوبها دون مساعدة من أحد ما أمكن ذلك.
  • الغرزة أو القطبة، هي الأساس الذي يعطي في النهاية الشكل العام للوحدات الزخرفية المطرزة، ومن أشهر الغرز المستخدمة: التَّصْليبة، المَدْ، التَّسْنين، التَّحريري، غرزة الماكينة، السِنْسال، اللَّف، التَّنْبيتة، الزِّكْزاك.

 

زي المرأة في مدينة يافا

إن زي المرأة المدنية في مدن فلسطين بشكل عام، كان يتسم في بدايات القرن المنصرم بالبساطة والاحتشام، ولم يدخل فيه التطريز بالشكل الذي تميزت به أثواب نساء القرى. ويُلاحظ أنه بعد هزيمة عام 1967 أقبلت النساء الفلسطينيات بما فيهن المدنيَّات على ارتداء الثوب القروي الفلسطيني تعبيرا عن اعتزازهن به اعتزازا بلغ حد التباهي والزهو، وعملن على نشره وخاصة في بلاد الشتات. وفي مقابلات أجريناها مع عدد من سيدات مدينة يافا في عمَّان واللواتي تجاوزت أعمارهن الثمانين عاما، أجمعن عند سؤالهن عن طبيعة ملابس المرأة في مدينة يافا قبل النكبة، على أن اللباس السائد كان عبارة عن تِرْواك (كاب) ذي لون أسود في الغالب، ويلبس تحته فستان طويل تتفنَّن النساء بتفصيله، ويضعن على رأسهن (غطوة) عبارة عن منديل على راقيْن مزخرف بأشكال الزهور المختلفة ذات الألوان الزاهية المشغولة يدويا بالإبرة.

الأزياء الشعبية في قرى يافا مميزة بما فيها من فن في تشكيل الوحدات الزخرفية، وانتقاء الألوان، وسنستعرض هنا، أثواب أربع قرى، هي: صرفند، يازور، السافرية وبيت دجن.

 

1– ثوب قرية صَرَفَنْد

كانت تعرف في السابق باسم صرفند الكبرى تمييزاً لها عن صرفند الصغرى (الخَراب)، كذلك سُميت (بالعَمار) ليفرق بينها وبين صرفند الخراب. تقع هذه القرية على طريق الرملة – يافا الرئيسة شمال غرب مدينة الرملة. وتبعد إلى الغرب من اللد قرابة 4 كم، وعن يافا 16 كم، وعن القدس 23 كم. وكان يقوم على بعد كيلومترين غربها، أكبر معسكر للجيش البريطاني في الشرق الأوسط آنذاك. وهو اليوم قاعدة لقوات الاحتلال الإسرائيلية البرية والجوية.

نشأت صرفند العَمار فوق رقعة منبسطة من أرض السهل الساحلي الأوسط، ترتفع 50 م عن سطح البحر. وقد بلغت مساحتها أواخر عهد الانتداب البريطاني 36 دونماً، وفيها مقام للقمان الحكيم كان يقصده الناس للزيارة. وكان في القرية مدرستان ابتدائيتان، إحداهما للبنين والأخرى للبنات. وتدل المدافن والصهاريج الأثرية في موقع القرية على أنها كانت معمورة في الماضي. وقد تعرضت صرفند العمار عام 1948 للاحتلال الإسرائيلي فطرد اليهود سكانها، ودمروها، وأقاموا عام 1949 على أنقاضها مستعمرة “تسرفين”، وأنشؤوا عام 1954 مستعمرة “نير تسفي” في ظاهر القرية الجنوبي الشرقي، على الطريق الموصلة إلى الرَّملة. وأقاموا عام 1955 مستعمرة “تالمي منشه” على أراضي القرية أيضاً.

 

وثوب قرية صرفند من القطن الأبيض، مطرز بخيوط الحرير الأحمر وبعض الألوان الأخرى مثل: البنفسجي والبرتقالي، وتميزت الرسومات على الثوب بالأشكال الهندسية، والأكمام الضيقة. وانتشر هذا الثوب بعد النكبة في قطاع غزة بسبب هجرة سكان القرية إليها.

 

 2- ثوب قرية يازور

   آزور، بالزاي والواو ساكنة ثم راء. قرية قديمة، لعلها “بيت الزور” الكنعانية التي ذكرت النقوش المصرية أن  (أحمُس) 1580 ـ 1557 ق.م الفرعون المصري الذي طرد الهكسوس من بلاده، قد خرّبها مع غيرها من المدن الفلسطينية. وفي أيام سنحاريب الأشوري 507 ـ 681 ق.م عرفت باسم (آزورو) وقد عرفت يازور وغيرها من القرى المجاورة لها باسم “بلاد الفتوح”، ويذكر أنها دعيت بذلك أيام الفتح العربي الإسلامي على يد عمرو بن العاص.

تقع يازور في ظاهر يافا الشرقي إلى الجنوب من مصب نهر العوجا بحوالي 7 كيلو مترات وعلى بعد 60 كيلو متر شمال غرب القدس، وترتفع 25 متراً عن سطح البحر، ويمر بالقرب منها الخط الحديدي الممتد بين يافا والقدس، وتحيط بأراضي هذه القرية أراضي الخيرية وبيتْ دَجَنْ وأراضي مستعمرتي” حولون وينتر” و “مكفه أسرائيل.”

 

وثوب يازور من القماش الأبيض أو الأسود، يطرّز بالحرير، تغلب عليه الألوان الفاتحة كالأحمر والأصفر والأخضر والأزرق، وكما ثوب صرفند زخارفه هندسية بالإضافة إلى عروق الورد الجميلة التي تطرز على القبة والجوانب.

 

ثوب قرية السَّافْرِيّة

تقع على بعد 11 كم جنوبي شرق مدينة يافا. وتمر طريق يافا-اللد بقربها، وتبعد عنها طريق يافا-القدس كيلومتراً واحداً. ويعني اسمها “سافري” في السريانية، الصباح أو الإشراق. وقد ورد ذكرها في معجم البلدان لياقوت الحموي. أرض القرية سهلية ترتفع 30م عن سطح البحر. وتربتها طينية حمراء، وتستمد مياه الري من الآبار. وقد اشتهرت أراضي هذه القرية بزراعة البندورة وكانت أهم مركز لإنتاجها في قضاء يافا.

يتميز ثوب السافرية بالتطريز الكثيف على حجر الثوب، والأكمام  من القماش المبقج بالحرير الهرمزي بأشكال هندسية متنوعة جميلة.

 

أثواب قرية بِيتْ دَجَنْ

من أكثر الأثواب تميزا في قرى يافا أثواب قرية بيت دجن. وهي قرية عربية تعود إلى أيام الكنعانيين، وكانت تعرف باسم “بيت داجون” نسبة إلى الرب داجون، الذي كان له معبد في هذه المدينة، وفي عهود لاحقة عرفت باسم بيت داجانا وكفار داجو.

تقع القرية على بعد 10كم شرق مدينة يافا، في منتصف الطريق بينها وبين الرملة، وبلغ عدد سكانها عام 1942 (3,840 نسمة)، وهم من العرب ويعملون في الزراعة، وكانت مدرستها تضم (353) طالبا وفيها تسعة معلمين. احتلتها العصابات الصهيونية عام 1948 وأقامت مكانها مستعمرة (بيت داجان).

 

ولمعرفة المزيد عن هذا الثوب نستعرض تاريخه وتطور الشكل فيه، إضافة إلى تطور الوحدات الزخرفية المشغولة وأنواع القطب التي كانت تستخدم فيه.

في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين اشتهر ثوب بيت دجن بالوحدات الزخرفية التي استخدمت فيه، ومن أهم الوحدات التي كانت تطرز على الردفة الخلفية للثوب (الشّنيار)وحدة: الجياب، وهي وحدة زخرفية عبارة عن أشجار مقلوبة، ووحدة السرو، وهي وحدات زخرفية عبارة عن أشجار سرو.

وبرز نوعان من الأثواب كانا يشكلان ركنا أساسيا من جهاز العروس في قرية بيت دجن هما:

 

أ- الجْلايِة السَّوداء

تمتاز الجلاية بالتطريز الكثيف على جوانب الثوب (البنايق)، وقبَّة الثوب والردفة السفلية الخلفية (الشنيار)، والأكمام القصيرة، أما الجهة الأمامية من الثوب (البدن الأمامي) فبالإضافة إلى التطريز المشغول على جوانبها، فهي مفتوحة من الخصر وحتى نهاية الثوب، ويتم وصل طرفي الفتحة في أماكن مختلفة بواسطة جدلات رفيعة من خيوط الحرير (قيطان)، والفتحة محاطة بقطع القماش الملون بألوان زاهية على حدودها، ويسمى الجزء الملون منها بـ (سلاح الجلاية)، وعلى صدر الجلاية توجد فتحة تحيط بالرقبة ويصل طولها إلى ما يقارب 15 سم، وتزين بخيوط حريرية بغرزة اللف (السنبلة)، ويضاف لها جدائل من الخيوط الحريرية الملونة والمزينة بالخرز تربط حول الرقبة لتعطي الثوب مزيدا من الألق، وأكتاف الثوب (الردفة الخلفية العلوية) مزينة بقماش الكشمير المخطط باللونين الأصفر والأحمر، يثبت على الثوب بقطع قماش ملونة على شكل مثلثات صغيرة، وحدود هذه المثلثات مطرزة بوحدات زخرفية صغيرة وجميلة وتتناغم من حيث التشكيل والتلوين مع كل أجزاء الثوب.

أما نهاية الثوب (الداير) فإنه يأخذ نفس تشكيل وتلوين الوحدات المثلثة التي تحيط بالردفة الخلفية العلوية.

أما قبة الجلاية فهي مزينة بوحدات زخرفية تميل إلى الأشكال الهندسية التي تلون كامل منطقة الصدر (القبة) ويحيط بها وحدات أشجار السرو الصغيرة، والريش في الزوايا، بحيث تشكل أشجار السرو والريش إطاراً لقبة الثوب.

وكانت الجلاية هي القطعة الأهم في جهاز العروس في قرية بيت دجن، وتلبسه العروس في أول خروج لها بعد الزفاف.

والجلاية نوعان: الجلاية الكبيرة والجلاية الصغيرة، وما يميز واحدة عن الأخرى هو كمية التطريز على الجهة الخلفية منها (الشنيار)، فالجلاية الكبيرة يمتد ويرتفع التطريز فيها بكثافة، بحيث يغطي قماش الثوب تماما (طَلِس)، فيما الجلاية الصغيرة يكون التطريز فيها أقل كثافة وأقصر (قلايد)، أي أن التطريز عليها يشبه القلائد.

ومع حدوث تغير في القيم المجتمعية في ثلاثينيات القرن الماضي، وذلك بعد عودة أبناء القرى الذين شاركوا العثمانيين في الحرب العالمية الأولى وتغير نظرتهم لكثير من العادات السائدة في ذلك الوقت، تراجعت الجلاية المفتوحة، والتي أصبحت مرفوضة من رجالات القرية، ومع ذلك فقد واصلت بعض الفتيات لبس الجلاية مع تعديل على الفتحة التي تم إغلاقها واستبدالها بقطعة من المخمل الأحمر، حيث يبقى هناك إيحاء بالفتحة التي لم تعد مقبولة في إطار القيم الجديدة التي ظهرت في ذلك الوقت.

 

ب- الثوب الأبيض – النَّعَانِي

تعود تسميته بالنعاني إلى أن فتاة من قرية النعاني الفلسطينية الواقعة في قضاء الرملة. والتي أخليت من سكانها أثناء حرب 1948 في 14 مايو 1948 من قبل لواء غفعاتي… كانت هذه الفتاة قد تزوجت في قرية بيت دجن وأحضرت ثوبها معها، وحظي الثوب بإعجاب الدجانيات، وهو في واقع الأمر يشبه ثوبهن (الجلاية السوداء)، إلا أنه أبيض اللون، وأصبح الثوب النعاني ثوبهن المفضل وسُمِّي بالنعاني نسبة إلى قرية النعاني، وهذا الثوب يشبه من حيث الوحدات الزخرفية الجْلاية والتصنيف الخاص بالردفة الخلفية السفلية (ثوب كبير وثوب صغير) إلا أنه يمتاز بالأكمام الطويلة الواسعة (الرْدان) وليس به فتحة من الأمام.

واللون الأساسي المستخدم في تطريز الثوب هو الأحمر، وتضاف إليه بعض الألوان الزاهية، التي تتداخل مع اللون الأحمر بانسجام وتناغم بحيث يظهر كما اللوحة الفنية.

 

والوحدات الزخرفية المستخدمة في الثوب النعاني على مر السنين متنوعة، ومنها:

  • عِرِقْ الوْقاة: سلسلة من الورود الصغيرة المتصلة بأغصان تُلون باللون الأسود فيما تلون الورود بألوان زاهية وتُعبَّأ الفراغات حول الورود باللون الأحمر، وسمي بعرق الوقاة لأنه يستخدم أيضا في تزيين الوقاة (غطاء الرأس).
  • عِرِقْ نَفْنوف الرِّيش: أشكال هندسية متقابلة تلون بالأحمر والألوان الزاهية التي يمتاز بها هذا الثوب.
  • عِرِقْ خيمة الباشا: أشكال هندسية متداخلة بطريقة جميلة وفيها إبداع في التصميم ويتداخل فيها اللون الأحمر بالألوان الأخرى.
  • عِرِقْ شجرة السَّرو والحْجابات: وهذه موجودة أساسا في الجلاية السوداء والثوب النعاني القديم.
  • عِرق رأس الحصان: وحدة زخرفية تشبه حرف S المقلوبة وكما في الوحدات السابقة تتداخل الألوان فيها.
  • عرق الأزهار المريَّشة: أشكال هندسية تظهر فيها النجمة الثمانية بشكل واضح.
  • عرق عين البقرة: عبارة عن ورود متصلة، وإذا أمعنا النظر فيها تظهر النجمة الثمانية ثانية في هذه الوحدة.

 

وإضافة إلى الوحدات السابقة الذكر، فإن هناك بعض الوحدات الزخرفية الأخرى التي تستخدم في الثوب النعاني أو الدَّجاني، غير أن الوحدات المذكورة هي الأشهر والتي تكررت على مدى القرنين التاسع عشر والعشرين.

 

ولا بد من الإشارة، إلى أنه في عام 1920، حصل تطور لافت في هذا الثوب، وذلك عندما اشترى (أنطون حَزْبون) من بيت لحم بيارة برتقال في يافا، وانتقل هو وأخته مَنِّة حزبون للعيش في قرية بيت دجن، شاهدت الدَّجانيات الأثواب التي ترتديها  مَنِّة حزبون، وهي في أغلب الظن ثوب المَلَكْ التَّلْحَمي، والذي لا تظهر فيه الغرزة المصلبة، ويمتاز بأنه مطرز بالقصب الذهبي وخيوط التحريري وتستخدم فيه “قطبة الرشق”، وطلبت زوجة الشيخ يوسف من قرية بيت دجن من “مَنِّة حزبون”  أن تضيف لثوب ابنتها العروس حليمة، شيئا من الوحدات الزخرفية المستخدمة في ثوب المَلَكْ التَّلْحَمِي، وحصلت هذه الإضافة الجميلة المميزة والتي رافقت الثوب الدجاني أو النعاني حتى يومنا هذا، وميزته عن غيره من الأثواب بتداخل أنواع القُطَب المستخدمة فيه، وتنوع الأقمشة أيضا، حيث يستخدم المخمل الخمري أو الكحلي كأساس للقصب والتحريري، بحيث يدخل المخمل قي وسط الثوب (وسط البنيقة) وكذلك على الأكمام، وعلى الرَّدفة الخلفية العلوية المحيطة بقبة الثوب، التي كانت في الجلاية السوداء تُزين بالكشمير، فأصبح المخمل هو البديل للكشمير.

أما في الثوب الدجاني الأسود، إضافة إلى ما ذكر في الثوب الأبيض من تنوع في القطب، فإن القصب التحريري يظهر بوضوح أعلى، حيث يطرز كم الثوب على أقمشة حريرية ملونة بالقصب والتحريري بقطبة الرَّشق فقط، ولا تظهر الغرزة المصلَّبة فيه على الإطلاق.

في حدود عام 1930، وبسبب تطور وسائل المواصلات واختلاط أبناء القرى مع بعضهم بعضا، اختفت أنواع وظهرت أنواع أخرى من الأثواب في بيت دجن، ومنها إضافة إلى الثوب النعاني والمعروف حاليا بالثوب الدجاني، ظهر ثوب (القَمر) وثوب (الفَناير)، ويمتاز الواحد منهما عن الآخر بالوحدات الزخرفية المستخدمة وبكمية التطريز وكيفية توزيعه على أجزاء الثوب، ولكل منهما موسم ومناسبات يلبس فيه، ولكن هذه الأثواب لم تحظَ بما حظي به الثوب النعاني الذي بقي الأكثر تميزا، والدليل على ذلك أنه لا زال موجودا حتى الآن وإلى حد كبير كما كان في بدايات القرن العشرين، مع اختلاف الخامات المستخدمة، وأنواع خيوط التطريز حيث اختفت الخيوط الحريرية وحلت محلها الخيوط القطنية الملونة بألوان أقرب ما تكون للألوان التي كانت تستخدم سابقا.

وكما ذكرنا في البداية، فإن الزي هو مرآة للواقع الاقتصادي والاجتماعي للمرأة، فكان جهاز العروس الدَّجانية (نسبة إلى بيت دجن) يعبر عن حالة والدها وحالة العريس المادية، فإن كانا ميسوريْن، تحمل العروس معها لبيت الزوجية عددا من الأثواب الغنية بالتطريز، وإن كان الفقر هو الحال، فالأثواب أيضا تكون متواضعة من حيث العدد وكمية التطريز عليها.

ويبقى الثوب الدجاني علامة فارقة في خارطة الأزياء الفلسطينية، من حيث وحداته الزخرفية المشغولة بفن وذوق، ومن حيث تشكيل الوحدات وألوانها، وتداخل أنواع القُطب المستخدمة فيه، وأنواع الخامات والأقمشة الحريرية والمخملية الملونة والتي تعطيه بهاء وعلواً في المكانة بين الأزياء الأخرى.

وللثوب مكملات لا بد من استعراضها، فقد أبدعت المرأة في تحقيق حالة من التكامل فيما تلبس مع ثوبها الذي تُباهي به الأخريات ومن أهم هذه المكملات:

غطاء الرأس

يسمى غطاء الرأس في قرية بيت دجن (الصْمادة)، وكان يطرز بغرزة مصلبة ومزينة بصف من النقود المعدنية (الصَفِّة)، وحجم الصفة ونوع النقود عليها يعتمد على الحالة المادية للسيدة.

وفي حدود عام 1935، ظهرت الطاقية (شَبكة الخرز) وكانت هذه أيضا نتاج التطورات التي عاشها المجتمع الفلسطيني وفتح المدارس للبنات، مما أدى إلى تعلمهن بعض الفنون الجديدة والتي تمت إضافتها لزيّهنّ، وقد حافظت السيدات كبيرات السن على لبس الصمادة رغم انحسارها بشكل عام من خارطة الأزياء للصبايا.

الشال

كان يُنسج الشال من ثلاثة جوانب من القماش المدمج والمطرز بغرزة مصلبة بخيط الحرير الملون، وهناك أنواع أخرى من الشالات، مثل: الشال الأحمر والمسمى الشَّنْبر الأحمر، والشال الأسود والمسمى الشنبر الأسود والذي يصنع من الحرير المطرز والمحاط بإطار من الشراشيب.

الحزام

ومنه ما كان ولا يزال يُستخدم، مثل: “الزنار المقرون” وهو عبارة عن قطعة من الحرير الأحمر الموشح باللون الذهبي أو الفضي والمزين بالألوان كالأخضر والأصفر والبرتقالي، والنوع الثاني، هو “زنّار الكشمير” (الشَّدَّاد) المصنوع من قماش الأطلس الأحمر المقلَّم بالأصفر.

الحُلي

تعتمد أساسا على الإمكانات المادية، فهي إما أن تكون من الفضة أو من الذهب، وكان جهاز العروس يحوي أنواعا مختلفة من الحلي، منها: الأساور بأنواعها: الكهرمان أو الخصر، خرز أزرق، ومبرومة. والقلائد، منها: بغمة مشنشلة، وزيباقة. والخواتم بأنواعها، هذا إضافة إلى الصفِّة والشَكِّة للرأس والزناق وهو عبارة عن سلسلة فضية أو ذهبية تتصل بطرفي الصمادة وتنتهي حول الرقبة بقطعة نقدية إما فضية أو ذهبية تسمى المخمسية أو (فطيرة).

استعراض بسيط لموروث غني، وبالتأكيد ما ينطبق على قرية بيت دجن ينطبق على باقي القرى الفلسطينية قبل الاحتلال، فالعروس هي العروس من أي قرية كانت، ما ميز واحدة عن الأخرى فقط بعض التفاصيل الخاصة بمنطقة جغرافية معينة، ولكن في العموم هناك تشابه كبير في الريف الفلسطيني من حيث العادات والأصول المتبعة في معظم طقوس الحياة.

 

الزي التقليدي للرجل

القنباز أو الغنباز

ويسمّى أيضاً الكِبر أو الدْماية، وهو رداء طويل مشقوق من أمام، ضيّق من أعلاه، يتسع قليلاً من أسفل، ويردّون أحد جانبيه على الآخر. وجانباه مشقوقان حتى الخصر. وعند العمل في الحقل والزراعه أو أثناء الدبكة يتم رفع الجانبين ووضعهما تحت الحزام الذي يلبسه الرجل، فيظهر الشروال الفضفاض الذي يلبس تحته. وتُسمى عملية رفع الجوانب “تَشْتيل”. وقنباز الصيف من كتّان وألوانه مختلفة، وأما قنباز الشتاء فمن جوخ. ويُلبس تحته قميص أبيض من قطن يسمى المِنْتيان.

الدَّامر

جبة قصيرة تلبس فوق القنباز كمّاها طويلان.

 

السلطة

هي دامر ولكن كميها قصيران.

 

السروال

طويل يكاد يلامس الحذاء، وهو يُزمُّ عند الخصر بدكة.

 

العباية

تغطي الدامر والقنباز، وأنواعها وألوانها كثيرة. ويُعرف من جودة قماشها ثراء لابسها أو فقره، ومن أشهر أنواع العباءات: المحلاوية، والبغدادية، والمزاوية العادية، والمزاوية الصوف، والرجباوي، والحمصيّة، والصدّية، وشال الصوف الحراري، والخاشية، والعجمية، والحضرية والباشية.

 

الحزام أو السير

يصنع من جلد أو قماش مقلّم قطني أو صوفي. ويسمّون العريض منه اللاوندي.

 

الكوفية

وتعرف أيضا بالسلك أو الحطة. بلونيها الأبيض والأسود أو المرقطة السوداء والحمراء.

عن adminh